ببساطة، سئمتُ الكتابة التي ما عادت تغيّر عالمًا أصبحنا لا نفهمه. لا شيءَ قطعًا أبلغُ من دموع أمّ فقدتْ للتّو ابنها في غارة جديدة على غزّة. يحدثُ أن تخجل الكلماتُ أحيانًا، فتُصاب هي الأخرى بالبُكمِ. ويحدثُ أن أخونها مأخوذًا ببكاء طفل لم يذق الفرحَ قلبه الصغير وقبل حتى أن تكبر أسنانه تكبر وحدها رجولته في أعماق قلبٍ ما عاد يفرّق بين الحزن والفرح. حاملاً خجلي من طفل لن تغيّر كلماتي واقعه رحتُ وحدي أفكّر في واقع ما عدنا نستطيع قراءته فأصبحنا في حياتنا نموت ألف مرّة،” فالموتُ لا يوجع الموتى ، الموتُ يوجع الأحياء”.
    حيثٌ لا تٌشرق الشّمسُ إلاّ لتعلنَ مأساةً جديدة، منزل انهدّ بصاروخ صهيونّي أودى بحياة عائلة بأكملها وبقي ذلكَ الشابُّ وحده يموتُ موتًا بعد موتٍ وكنت أتساءل وأنا أشاهده : هل كان استشهاده مع عائلته أرحم عليه من أن يجدهم رحلوا جميعًا دون عودة؟ سيتذكر كل التفاصيل الجميلة والحزينة التي جمعته بهم، ابتسامة أمه في الباب تفتحها له، وهو يسرق من حزن غزة بعض اللحظات لينادي بفرحة على أمه أو أحد إخوته، سيتذكر منزلهم في فصل الشتاء والأمطار تنهمر عليه وكيف دخل مسرعًا فوجد الدف دفئين؛ دفء الموقد ودفء العائلة، انتهت جميع الفصول إذًا ولم يبق سوى فصل الحزن سيخيّم طوال السّنة.
     وفي الجهة الأخرى من هذا العالم المزيّف، محلل سياسيّ أو ربما كاتب أو لا أدري من يكون يطلّ في شاشة التلفاز بلباس منمّق يكلّف أكثر ممّا يأكله طفل في عام في غزّة، يعلّمنا كيف نتضامنُ مع غزة، وآخر بعد أن يشبع بطنه، ولا يجد من شيء يفعله، يرفع قلمه ليكتبَ عن مآسي غزة. البعض قطعا يقتاتون على مآسي النّاس وأظنهم لا يعلمون أنّه ” من الجرح وحده يولد الأدب ” وأجمل النّصوص تكتهبا دموع الأبرياء كلّ يوم.مُستحيًا أن أجد غزّاويا في صفحتي الفايسبوكيّة أخبره ما يخبره به الجميع ” نحن متضامنون معكم وندعو لكم “، أتفاجأ بجيش من الشباب المتحمّسين العرب والمسلمين يبكون مآسي غزة، أحدهم يتهكم من الجيوش العربيّة التي تصدأ أسلحتها في المخازن وما تلبثً أن تخرجها لتقصف شعبها، وذلكَ شابٌ آخر يفيض حماسًا وفي أوج ثورته النفسيّة وحقده على اليهود يغيّر صورته الشّخصيّة في صفحته تضامنا مع غزّة. كثيرون يطلبون الدعاء للغزّاويين وإن اختلفوا جميعا في أساليبهم فالكلّ قطعًا يتحدثون لكنْ من يفعل؟
وحدي أموتُ قهرًا كلّ يوم، وأنا أقرأ ما يكتبه النّاس وما يرددونه من كلمات جاهزة للاستعمال في كل عدوان على غزة، وتوقفتُ عن الكتابة ! 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *