لاشكّ أنّ الصّيف هذا العام بدا أكثر حرارة من العام الماضي، هذا ما لاحظه أحد الأصدقاء مؤكدًا أنّ حرارة الشّمس أصبحت في تزايدٍ مستمر، كأنّ لفح الشّمس أصبح أقرب من الأرض، والواقع أنّ السّنوات العشر الأخيرة هي الأحرّ في السّجل المناخي التاريخي، كما أنّ متوسط درجة الحرارة للعالم ارتفع بحوالي ثلاثة أرباع درجة خلال القرن الماضي، الأوضاع تتغيّر باستمرار ! لا بدّ أنّنا في ظلّ هذا العالم المتسارع؛ عصر التكنولوجيا والأخبار السريعة، عصر الهوس بالحياة الافتراضيّة، نقضي الكثير من الأوقات محدقين في هواتفنا دون أن نرفع رؤوسنا إلى السّماء، أو نعيش في ودّ مع الطبيعة التي ما فتئنا نعمّق من مشاكلنا معها، واستمرارنا في هذه اللّامبالاة ستجعل عالمنا في خطر.

إنّ ارتفاع درجة الحرارة بالمقابل أدّى إلى زيادة تساقط الأمطار في مناطق بينما انتشر الجفاف في مناطق أخرى، كما تبخّرت بحيرات كاملة، وانتشرت الأمراض في كثير من الأماكن بسبب هذا التّغير ما يجعلنا ندرك أننا حقا أمام مشكل حقيقيّ لابد له من حلّ جدريّ قبل فوات الأوان، ذلك أنّ التغيّرات المناخيّة أصبحت اليوم تمثّل تهديدًا للحياة الطبيعيّة، ويعود سبب التغيّر المناخي إلى الاحتباس الحراريّ الذي يحدث عن طريق النّشاط البشري في الطبيعة المؤدّي إلى انبعاثات الغازات المختلفة المضرّة بمناخ كوكبنا، لذلك تسعى الكثير من الهيئات إلى البحث عن سبلٍ من أجل التّمويل المناخي، فالعالم بحاجة إلى تمويل من أجل مواجهة خطر الانبعاثات وبالتالي الحدّ من مشاكل التغيّر المناخيّ، غير أنّ التّمويل في حدّ ذاته يطرح إشكاليّة كبيرة خاصة بالنّسبة للدول الفقيرة، فقد قالت الفلبين حسب موقع” بي بي سي  العربيّ” أنّها من دون مساعداتٍ ماليّة لن تتمكن من خفض الانبعاثات الضارة لديها،  وعلى الرّغم من تعهد الدول المتقدمة العضوة في الأمم المتحدة بتقديم 100 مليار دولار كمساعداتٍ للدول النامية من أجل مواجهة خطر التغيّر المناخيّ في إطار خطّة زمنيّة تمتد إلى عام 2020م إلاّ أنّ الوزير الهندي براكاش جافادكار يصرّح لبي بي سي: “أقول للعالم أنّ فاتورة الإجراءات اللازمة للتّصدّي للتّغيير المناخي تتجاوز 100 مليار دولار، وربما تصل إلى تريليونات الدولارات الواجب توفيرها كلّ عام”، الأمر الذي يزيد من تأزم الوضع، ويضعنا أمام الصورة الحقيقيّة لمدى ارتفاع تكلفة التمويل المناخي، ومن هذا المنطلق يحمّل الوزير الهندي مجموعة من الأطراف مسؤوليّة الانبعاثات الكربونيّة، ويدعوها لتحمّل المسؤوليّة في التّمويل المناخيّ. إنّ تقديرات منظمة الطاقة العالمية تتوقع أن تكون الدول النّامية هي المسؤولة عن ثلاثة أرباع الانبعاثات ما بين 2004م و 2030م، وتبرّر ذلك بأنّ الصين هي المسؤولة عن ثلث تلك الانبعاثات. فإذا كانت الدول المتقدمة الصّناعية هي المسؤولة قديما عن الانبعاثات، فإنّ الدول النّامية هي المسؤولة عنه حاليّا ومستقبلاً. وهذا ما يجعل تحمّل أعباء مواجهة التغيّر المناخي بين الدول المتقدّمة والنامية أمرًا عادلا.

وحتى في الجزائر، نحن نعيش وسط تداعيات مشاكل التغيّر المناخيّ، لكنّ تفعيل خطة واضحة لتمويل مواجهة المشكلة مازال هدفا بعيد المنال، بسبب غياب الثقافة البيئيّة والوعي بخطورة الوضع، لقد التهمت الحرائق عددا كبيرا من الأشجار في الغابات الجزائريّة في صائفة 2017م، كما أنّ الحرارة هذا العام أصبحت لا تطاق، هذه الظروف الاستثنائيّة في نظري ستلفت انتباه أصحاب القرار أخيرا إلى مدى خطورة الوضع، والبدأ في وضع خطّة تمويل مناخيّ متكاملة للحدّ من التغيّر المناخي، وقد يحدث ذلك في إطار الضغط الشّعبي الممارس على أصحاب القرار خاصة في ظل الظروف الصعبة التي مرّ بها المواطنون بسبب تداعيات التغيّر المناخيّ الرهيبة خلال هذا العام مرورا بالحرراة ووصولا إلى الجفاف، لكن قبل ذلك يجب البدأ بنشر الوعي البيئيّ، وإنشاء الجمعيات البيئيّة الصديقة للبيئة.

من هذا المنظور، يبدو أنّ المشكلة أساسا تكمن في تحديد خطّة عالمية واضحة المعالم في تمويل التّصدي لظاهرة التغيّر المناخيّ، الأمر الذي ذهبت إليه ليز غالاغر المسؤولة بأحد المراكز البحثيّة المتخصّصة في الشّؤون البيئيّة. ويسعى محمد نعمان نوفل، أستاذ الاقتصاد البيئيّ المساعد وخبير التنمية البشريّة بوزارة التّخطيط بالكويت إلى اقتراح خطّةٍ لتفعيل عمليّة التمويل مؤكدًا أنّه من المهم وضع معايير للتّمويل تتجاوز التّقاليد التي سارت عليها السّياسات الحكومية في الاختيار بين الدعم الماليّ، وفرض الضريبة، لذلك فإنّ من يجب أن يحظى بالدّعم الماليّ هي المؤسّسات المعوزة ماليّا لتمويل برامجها، والمستهلكين الفقراء. وبهذا يجب أخذ الدول النامية والفقيرة بعين الاعتبار من أجل توفير الدعم الماليّ لمشاريع الابتكار التقنيّ ذات المدى الطويل، والتي تهدف إلى إحداث تخفيض في الانبعاثات، مثل: مشاريع الطاقة المتجدّدة. وضمن هذا الإطار، ينبغي أيضا منح التمويل للمبادرات التي تستحدث مجالات عمل جديدة، في صورة حوافز لتشجيع البحث عن آفاق جديدة للحدّ من مشكلة الانعباثات المضرّة.

إنّ سياسة التّمويل المناخيّ لا يمكن أن تشتغل في منأى عن السياسات الأخرى المقترحة من أجل التصدّي للمشكلة كتحديد مصادر الانبعاثات والسّعي للتّعامل معها بشكل مباشر، كما يقوم دور نشر الوعي وثقافة المحافظة على البيئة والتّمويل الذاتي للتصدّي للانبعاثات بدور مهمّ في تسريع عمليّة مواجهة مشكلة التّغيّر المناخي، بإمكان الجميع فعل شيء لمساعدة الطبيعة على الشّفاء من أجل الاستمرار في العيش في سلام وانسجامٍ في موطننا الأم، الأرض.