ممّا يثير الاستغراب بين أجنحة معارض الكتب الدوليّة في العالم العربيّ أنّ كثيرا من دور النّشر المغمورة التي لا تظهر إلاّ خلال معارض الكتب تعجّ بكثير من الشباب الذين يدّعون أنّهم كتّاب مرفوقين بما أسموه روايات أو قصصًا مطبوعة مبتهجين بتوقيع “كتبهم”، وكثير من أشباه القرّاء يحيطون بهم مبهورين …لأكون حقيقيًّا الأمر أصبح مبتذلاً! وحتى دور النّشر هذه وجدت الأمر مدرًّا للرّبح، فبالإضافة لكتب تفسير الأحلام والتنمية البشرية والطبخ والحياة الزوجية لابدّ أنّ تلك الرّوايات الأشبه بـ “Fastfood” ستجعلهم يكسبون مزيدا من الزبائن خاصة من أصدقاء أولئك الكتاب الشباب وكل شخص على قائمتهم الفايسبوكية وكلّ مبهور وفضوليّ ومتطفّل …

في حين أصبحت البلدان تتهافت على نوعيّة ما يقرأه شبابها، أصبح التهافت عندنا على من سيكون أصغر كاتب أو كاتبة لهذا العام؟ ليتحوّل ذلك الكاتب الصغير إلى قدوة للبعض و موضوعا لوسائل الإعلام الصفراء وحاضرا في كلّ العناوين الرّنانة والصادمة التي تبهر عامة النّاس. الأمر مثير للتعجّب إلى حدّ اكتشاف أنّ بعض من يكتبون بهذا الشّكل أرادوا في الحقيقة تلميع أسمائهم ببريق لقب كاتب، ياله من لقب جميل في مجتمع “مبهور” بالمظاهر  ومدهوش حتى من “الخواء”. في الغالب _لأكون صادقا كقارئ ومختص _ كثير من هؤلاء للأسف لا موهبة لهم، وهذا ما يخفوه عنه أصدقاؤهم المتذوّقون أو يجهله القرّاء “المبهورون” الذين يقرأون في الغالب عبر مواقع التواصل الاجتماعي منشورات أصدقائهم بالإضافة لأقوال الأدباء المنشورة في صفحات الاقتباسات. في الحقيقة أحيانا لما أجد البعض تمادى في غروره يغمرني شعور بالقول لهم: نعم صديقي، أكتب لنفسك ولأصدقائك، لكن لا يمكن أن تكون “كاتبا “بكلّ هذه الثقة، على الأقل مازال الوقت مبكّرا.

وحتى في الأدب القديم جهابذة الشّعراء لم يبدأوا نظم الشّعر حتى مرّوا بمرحلة رواية الشّعر، يقُال أنّ شعراء المعلقات كانوا يحفظون الشّعر ويتمرّسونه قبل أن يبرعوا فيه، وكان زهير بن أبي سلمى ينقّح القصيدة الواحدة حتى لتأخذ معه عاما كاملاً لذلك سميّت أشعاره بالحوليات، وحتى في الجاهليّة كانت الرّقابة تفرض سلطتها على الإبداع الحقيقيّ كي يتمّ التّمييز بين الأعمال الجيدة والرّديئة؛ فكانت تنصب خيمة كبيرة ذات قبّة حمراء للنّابغة الذّبياني في سوق عكاظ فيأتيه الشّعراء من كلّ صوب ليعرضوا عليه أشعارهم فما قبله كان مقبولاً، وما رفضه كان مرفوضا.

وفي الأدب المعاصر، لم تبدأ كاتبة هاري بوتر بالكتابة لأنّها أحسّت بالملل أو لأنّها أعجبت بتوقيع الكتب في المعارض ومجموعة من أشباه القرّاء وقرّاء السالفي والبراستيج يحيطون بها، بل كان ذلك نتيجة صدمات عنيفة مرّت بها فانفجرت إبداعًا كردّة فعل..اليوم حققت تلك الكاتبة من مبيعات كتبها ثروة تفوق ثروة ملكة بريطانيا حسب الإحصاءات!

في ظلّ هذا الواقع الرهيب يختفي القارئ الفطن المتذوّق، كيف لك أن تقنع آلافا من قرّاء السالفي أنّ تلك الرّوايات أشبه بالتّعابير الإنشائيّة، وكنت دومًا أضحك مع بعض زملائي في الدّراسة فأخبرهم أنّ “باولو كويلو” لو كتب “الخيميائي” في البلدان العربيّة لفشلت الرّواية لأنّه ببساطة ليس لدينا القارئ المتذوّق لها، الأمر ليس غريبا، أذكر أنّ بعض الزّملاء اقترحوا عليّ رواية جديدة لكاتب شاب، فهممت بالاطلاع عليها من خلال موقع المراجعات GOODREADS فوجدت أنّها حازت 4 نجمات من خمسة؛ انبهرت لأنّها تقارب النّجمات التي تحصّلت عليها روايات باولو كويلو لأتفاجأ لاحقًا أنّ الأمر لا يتعدّى كون البعض جعل منه أصدقاؤه ومعارفه كاتبًا؛ يعني حتى تلك المراجعات كانت من عند أصدقاء محبين. بعضهم ليس بقارئ، بل قرأ الكتاب لـأنّه مبهور بصديقه الذي أصبح فجأة كاتبا، والبعض الآخر للأسف لاذوق قرائيّ له..في الغالب مثل هذه الكتب تجد أكثر التّعليقات المتعلّقة بها إيجابيّة، حتى همنجواي لم ينتبه أنّ بعض الكتاب في العالم الثالث لديهم محبون فقط عندما قال: الكاتب في الواقع هو من لديه قرّاء محبون وكارهون.

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *