شيءٌ ما من محمود درويش وهو يلقي “سقط القناع على القناع”، أو ذلك العنفوان المقاوم في شخصيّة غسّان كنفاني، غموض ما يغري بجمال الثورة، بعدالة قضيّة “أرض البرتقال الحزين”، نفحة من “ذهب الذين تحبهم ذهبوا، فإمّا أن تكون أو لا تكون”،  وأشياء أخرى تتراءى أمامي وأنا أشاهد عهدًا التّميمي تُساق من طرف شرطيّتين لا أدري ما أصلهما تحديدًا، وهل عجبٌ أن يحاكم صاحب الأرض من طرف من جاؤوا إليها بحثًا عن أرض تأويهم؟ تفاصيل تبدّدها الذاكرة، وأسماء تنازع بعضها لتعبث بما تبقى من هذا الوعي، للحظات يتوقف الزّمن، تنخر الرّوح ابتسامة عهدٍ التي تسخر من عبثيّة هذا العالم، تختفي كثير من الأفكار، وتغمرني مشاعر لم يعد بإمكاني قراءتها. شخصيّاتٌ تهرب لدقائق من روايات قرأتها عن فلسطين، تخاطبني في لحظة صمتٍ، لكأنّي جميعها أراها اليوم أمامي في ابتسامة عهدٍ المحاربة، أشياء أخرى كم تبدو لي تافهة أمام تلك الرّوح المقاومة ككلّ تلك الشّعارات التي رفعها العرب دفاعا عن قضيّة لم يعيشوها يومًا كما تعيشها عهد اليوم ودومًا.. ومثلهم لم أعشها قطعًا لذلك أشعر للحظات بمدى سذاجتي وأنا أكتب هذه الكلمات وأتساءل : ما جدوى الذي أكتبه الآن؟ هل سيقدّم شيئا لعهدٍ أم سيغيّر العالم الآن؟ لا أعظم من مقاومٍ في ساحة النّزال وجهًا لوجهٍ، كلماتي تتوقف أمامه احترامًا وتقديرًا. أتوقف للحظاتٍ ويحضرني في وجه عهدٍ ما قاله محمود درويش “حاصرْ حصارك لا مفر، سقطت ذراعك فالتقطها واضرب عدوّك لا مفر، وسقطت قربك فالتقطني واضرب عدوّك بي فأنت حر، حرّ، وحرّ”، لكأنّه كان يُخاطبها، هو الذي كان دوما متأكدًا أنّ “على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة”.

عهد التميمي فتاة فلسطينية في 16 من العمر عُرفت بجرأتها ومقاومتها المستبسلة للمحتلّ الإسرائيلي في بلدتها المعروفة بالنبيّ صالح شمال رام الله، وكانت عهد قد تعرضّت لعدّة تهديدات بالاعتقال بسبب مشاركتها في المظاهرات المناهضة للاحتلال. وتوجد عدّة فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي تبرز عهدًا _منذ سنّ مبكرة_ تقوم بالدفاع عن أرضها ومواجهة جنود الاحتلال والمستوطنين الذين يسعون لتوسيع الاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينيّة لذلك أصبحت عهدٌ إحدى أهمّ رموز المقاومة الشّعبيّة في فلسطين ومن ثمّ رمزًا للفتاة الفلسطينيّة المناضلة في كلّ العالم. تنتمي عهد التّميمي لعائلة مقاومة؛ فقد تمّ اعتقال والدها باسم التميمي حوالي 9 مرات بسبب تنظيمه لمظاهرات مناهضة للاستعمار منذ 1988م، كما تعرّضت والدتها ناريمان التميمي للإقامة الجبرية واعتقل إخوتها عدّة مرّات، كما استشهدت عمّتها باسمة التّميميّ في 1993م بعدما تمّ قتلها من طرف مجنّدة إسرائيليّة في محكمة عسكريّة، واستشهد خالها رشدي التّميمي في 2012م بعد مواجهات عنيفة مع جنود الاحتلال في بلدة النبي صالح. يعود السبب المباشر لاعتقالها مؤخرا فيديو نشر على مواقع التواصل الاجتماعي تقوم فيه عهدٌ مع بعض أفراد أسرتها بطرد جنود الاحتلال من ساحة منزلها، الأمر الذي أغضب رواد مواقع التواصل الاجتماعي في إسرائيل لما يُظهره في احتقار وإذلال لصورة جنود الاحتلال، ما دفعهم لشنّ حملة لاعتقالها، الأمر الذي جعل جنود الاحتلال يعتقلونها ليلاً من منزلها ببلدة النّبي صالح شمال رام الله مع مصادرة أجهزة التصوير والكمبيوتر الموجودة في منزلها.

وتجدر الإشارة أنّ عهدًا حازت على جائزة “حنظله للشجاعة” عام 2012، من قبل بلدية “باشاك شهير” في إسطنبول، لمقاومتها قوات الاحتلال الإسرائيلية، كما تمّ تكريمها من طرف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.

 

40 comments on “عهد التّميمي .. لحظة هاربة من قصيدة!

اترك رداً على ahmed إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *